«إن الإيمان إذا دخل قلبا خرج منه كل ما يزيغ العقل»، كانت تلك هي آخر جملة نطقها الشيخ محمود خليل الحصري قبل رحيله المفاجئ، إثر أزمة قلبية هاجمته، ليترك وراءه ذكريات لا يمكن نسيانها، عبر صوته الذي زين محطة إذاعة القرآن الكريم، ليحتل مكان النجومية وسط رعيل من العظماء.

الشيخ الذي عشقنا سماع صوته، أمتعنا بقراءاته السبع التي أبدع خلالها، كفراشة زاهية تتنقل بين أكثر من بستان، لتمنح عطرا لا يشبه الآخر، نغرق بين بساتينه الزاهية في بحر القراءات، والتأمل والوجد يلفنا، ومعه يعجز اللسان عن وصف الجمال الذي يتسرب برفق طاغي بين طبقات صوته المختلفة، فنهدأ ولا نردد غير كلمة «الله..الله..الله»، ثم نتبعها بالدعاء له: «ربنا يفتح عليك ياشيخنا»، فتتفح أبواب السماء، وهي تبتسم أن في الأرض رسولا دون وحي يسلم القلب واللسان على صوته، ويتجه إلى السماء مؤمنا بحارس السموات السبع، ومستشهدا بعظمة خلقه.. وقبل أن يرحل اختتم حياته بوصيه للتبرع بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم، بعد أن بني مجمعا دينيا يضم معهد أزهريا ومسجدا.

حفص عن عاصم

ابن محافظة الغربية، وتحديدا قرية شبرا النملة، كان ككل أقرانه الصغار، مشدودا لمحبة القرآن، لحفظه في سن صغيرة، وعندما كبير أفنى سنوات عمره في تسجيل أول مصحف بصوته مرتلاً براوية «حفص عن عاصم» عام 1960، حيث انتهى التسجيل في أواسط سنة 1960م، وبدأ الطبع في شهر مايو من السنة نفسها، وظهرت الطبعة الأولى بعد عام كامل تقريبًا في شهر يوليو من سنة 1961م، والمصحف المرتل براوية (ورش عن نافع) عام 1962 والمصحف المرتل براوية (قالون عن نافع) عام 1962، والمصحف المرتل برواية (الدوري عن أبى عمرو البصري) عام 1963، كما امتدت رحلته مع القرآن لتسجيل المصحف المجود كاملا، بالإضافة إلى المصحف المشترك مع مشاهير القراء من بينهم الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمود على البنا عام 1970، بالإضافة إلى العديد من التلاوات الإذاعية والخارجية، كما لم يبخل الشيخ على إثراء المكتبة الإسلامية بعدد من المؤلفات من بينها «معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف»، «مع القرآن»، «ومجموعة القراءات العشر».

محبة رافقت رحلاته للعالم

احتل الشيخ محمود الحصري مكانة خاصة وعميقة في قلب كل مسلم، وامتدت شهرته خارج مصر، وكانت تلك المحبة تترجم في رحلاته حول العالم التي جاب خلالها شرقا وغربا لتعليم علم القراءات السبع التي برع فيها، وساهمت في الإعلاء من قيمته ومكانته بين مسلمي العالم، وفي ماليزيا التي شهدت استقباله بحفاوة بالغة، حملت جماهير المسلمين سيارته على الأكتاف، وهو بداخلها، وفى ماليزيا حاصرته السيول والأمطار، فأرسل له رئيس الوزراء طائرة هليكوبتر أقلته إلى الألوف الذين كانوا ينتظرونه وكان الكثير من رحلاته تتم في شهر رمضان يجوب خلالها الدول الإفريقية والعربية والأسيوية لقراءة القرآن. كما رافق «الحصري» الرئيس أنور السادات في زيارته التاريخية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر عام 1977، والتقى بالرئيس الأسبق جيمي كارتر، ويعتبر أول و آخر قارئ رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي.

شهادات تكريم

نال الشيخ الحصري العديد من الأوسمة تقديرا لمكانته ورحلته في قراءة القرآن وحفظه أبرزها جائزة الدولة التقديرية من الطبقة الأولى عام 1967.