قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج :32] ولا ريب فإن عنوان الشعائر الإلهية هو القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقول الإمام النووي رحمه الله: (أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته وأجمعوا على أن من جحد منه حرفاً مما أجمع عليه أو زاد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر). وهذا التعظيم لا يكون بإجلال القرآن في القلب فقط، بل أيضاً بالأدب العام مع كلام الله تعالى، فمن صور التعظيم:

ـ الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم.

ـ لا يجوز الكلام فيه بغير علم، يقول الإمام النووي رحمه الله: (ويحرم تفسيره بغير علم والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة والإجماع منعقد عليه وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن والإجماع منعقد عليه ) . ومن الأحاديث ما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)، وأخرج أبو داود والترمذي عن جندب بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ).

ـ لا يجوز الجدال في القرآن لهوى في النفس، أو لينصر فكراً معيناً أو يبرر عملاً ما، ويحاول اللف على النص القرآني مع أن ظاهره يخالف ما يريد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المراء في القرآن كفر) أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم.  قال الخطابي: المراد بالمراء: الشك، وقيل: الجدل المشكك فيه وقيل: هو الجدل الذي يفعله أهل الأهواء في آيات.

أقول: وكل هذه المعاني مرادة في الحديث إن شاء الله، وقد ظهر في زماننا أناس يعرضون القرآن على العامة ويجادلونهم فيه بغير علم، وينفرونهم من كتب التفسير المعتمدة كابن كثير والقرطبي وغيرهما بحجة استعمال العقل وتعظيمه، وسموا صنيعهم هذا تأويلاً، واشتهروا بأنهم أهل التأويل فضلوا كثيراً وأضلوا، وإذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم فحسبهم جهنم وبئس المصير، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

إن حال المسلم الصادق الواقف عند حدود الله أن يرد العلم لأهله، وأن يجعل القرآن حاكماً على عقله لا أن يجعل القرآن تابعاً لهواه ومحكوماً بعقله، فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر ـ ثلاثاً ـ، ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)، وقال الله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا). [النساء (83)]